روليت
أشياء كثيرة و أحداث يطويها الإنسان و يضعها في صندوق مغلق و يلقي به إلى أبعد نقطة مظلمة داخل عقله ...و يسدل عليه ستار حديدي ....و لا يتذكره ...لكن ذلك لا يمنع إن يطفو هذا الحدث على السطح ...كقطعة خشب طافية فوق محيط لا متناهي ...و كما تظهر تختفي من جديد ...
....................................................................................................
كان لم يتم عامه الثامن عشر بعد ...يكره القاهرة صباحاً و يعشقها ليلاً ...لأنه كائن ليلي ...يعشق السهر...
رن الهاتف رفع السماعة ..أجابه صوت صديق إبن عمه ...ماذا تفعل ؟...لا شيء ...هل ترغب في الخروج ؟...مؤكد ...سأمر عليك بعد ربع ساعة ...إرتدى ملابسه على عجل ...و إنتظر أمام باب الحديقة ...بعد دقائق كانت السيارة تخترق شوارع المعادي الهادئه ....الوقت تجاوز منتصف الليل بقليل ...الجو منعش ....ملأ صدره برائحة مسك الليل و الياسمين الهندي المتصاعدة في الأجواء ...كان الليل ساحراً يومها .....
سأله إلى اين نذهب ؟
سنذهب إلى بعض الأصدقاء في منزلهم
لا ارغب في الذهاب إلى منزل
ضحك ..لا تقلق سنحتسي قليلاً من البيرة ثم نعاود الإنطلاق ...
ماذا يفعل أصدقائك في المنزل في هذا الجو الساحر ؟
انهم يلعبون الروليت ...
روليت ؟ أنا لا أحب القمار...
إنه ليس الروليت الذي تعرفه إنه مختلف ...استرخ أنا أيضاً لا اشارك في اللعب ...
ركن السيارة أمام عمارة في الحي الأرستقراطي العريق ....و صعدوا في المصعد...ضغط على الزر الخاص بالطابق الثالث ....بعد دقائق كان يدق جرس الباب ...فتح شاب في العشرينات من العمر ...رحب بهم ....دخلوا إلى الشقة ...شقة تشي بأرستقراطية مهملة منسية من زمن غابر....
على طاولة تقع في وسط المكان ....لا تتناسب مع أثاث المكان ...تحلق الثلاثة الموجودين أصلاً داخل الشقة حول الطاولة ....جلس هو و صديقه على كنبة مقابلة ....
لاحظ إن الطاولة فارغة إلا من بعض زجاجات البيرة و علب التبغ الأجنبية و صندوق أبيض قديم ...نظر إليه احدهم شاباً تجاوز الثلاثين من العمر ذو عيون باردة ميتة ....لم يستريح له ...ربما كان الشعور متبادل بينهم ....خاطب صديقه
صديقك ؟
نعم
هل سيلعب ؟
لا أعتقد ذلك ...سنشاهد فقط ....
أخرج الشاب ذو العيون الميتة مسدساً فضياً من الصندوق ....نظر إليه مرة أخرى و سأله هل تعرف ماهذا ؟....لم تعجبه نبرة الصوت ...استفزته ...وضع زجاجة البيرة بدون إكتراث بجانبه ...و أجابه مسدس ساقية كولت إمريكي..ثم أضاف بإبتسامة لكنه طراز قديم ... نظروا إليه و لم يتكلم أحد ..
أخرج كل شاب منهم نقوداً ووضعها على الطاولة ...تناول ذو العيون الميتة المسدس و وضع رصاصة في إحدى حجرات ساقيه المسدس و لفها بسرعة و بعدم إكتراث...كان لا يزال ينظر إليه ....يا إلهي انهم يلعبون الروليت الروسي ...لعبة الموت ...قفز إلى ذهنه مشاهد فيلم صائد الغزلان ....إلا انها إليوم حقيقة ....انهم مجانين تماماً ....بدأ الشاب لعبته المميتة ...لم تنطلق الرصاصة ....ضحك عالياً....
همس صديقه هيا بنا ....
إستعد للقيام ....
بادره صاحب العيون الميتة ...هل تخاف إن تلعب أم ليس معك نقود ؟و أطلق ضحكته المستفزة مجدداً
همس له صديقه لا تهتم
لكنه بادره لست خائفاً و معي نقود كثيرة ...لكنني أخاف إن تخسر إنت نقودك..
إذن فالنلعب ...
صاح صديقه لا
وضع يده في جيبه واخرج نقوده و ضعها على الطاولة بسخرية ....
إذن فالنلعب ....
لا يعرف ماذا دهاه ...تجمدت نظرات صديقه ....
ناوله الشاب المسدس بعد إن لف الساقية عدة مرات ....
أخذه منه ..قبض بيده على المقبض العاجي...وسط ذهول الحاضرين ....أغلق عينيه ...وضع الفوهة على صدغه الأيمن ....كان قد جن تماماً .....لامس الفولاذ البارد جلده ....توقف الزمن ...توقف التفكير ....توقف الصوت ....ضغط برفق على الزناد...لحظة استغرقت دهر...رن صوت المعدن في كيانه ...لم يحدث شيء على الإطلاق ...فتح عينيه ....رأى صديقه مشدوهاً ....كان الصمت ثقيلاً ...وضع المسدس على الطاولة ....دس النقود في جيبه ...شعر بأن قلبه توقف عن الدق ....نظر إلى صاحب العيون الميتة بسخرية ....و اصطحب صديقه و خرج ...تعالت و تسارعت دقات قلبه كالطبول....شعر إن قلبه سيمزق صدره ليخرج ...سرت برودة رهيبة في جسده و أحس بعرق غزير يغرقه ...مد يده ليمسحه ....لم يجد نقطة عرق واحدة....ألقى بنفسه على مقعد السيارة .....
خاطبه صديقه ...لم أظن انك بهذا الجنون ...كنت ستفقد حياتك ...لم يجب ..أشعل سيجارة ...لاحظ إن يده ...بدأت بالإرتعاش ....ألقى بها من النافذة ....ظل السؤال يطارده لماذا فعلت هذا ؟...لكنه لم يجد أبداً إجابة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق