الثلاثاء، 13 أبريل 2010

العزلة


لا يعرف متى دخل هذا المكان ...كم من الوقت ...شهور ...سنين ...زمن بأكمله ...كل ما يتذكره دفعة الشبح الأسود له بداخلها ....يصرخ بلا مجيب ...جدران صماء....تبلع صوت الصراخ و تمضغ الصدي....و صورة ظل الشبح الأسود القابع على الأرض لا تتغير ...لا تتبدل ...مر به زمن طويل ....أتي من العدم ...لا ذاكرة ...كشجرة اقتلعتها رياح عاتية و قذفت بها إلى هوة العدم السحيق ...


لا ليل لا نهار ....لا وقت ....لاشيء

لم يؤنس وحدته سوى شيطانه و ملاكه الحارس ...يشبهوا احدهم الأخر ...قد يكونوا توأمين ....و ربما كانوا يشبهونه هو أيضاً ...أتي الشيطان ليرتكب الخطيئة ...و أي خطيئة يرتكب و هو في هذه الشرنقة ؟ و كيف يرتكبها و ظل الشبح يرقبه طوال الوقت ....إما الملاك فقد جاء ليحميه من شيطانه ....و يشجعه على فعل الخير ....أي خير قد يفعل هنا ؟ و الظل لا يزال يرقبه......

بعد مرور الوقت ايقنوا الثلاثة ...انهم في المكان نفسه ...لا رابح و لا خاسر...قد يكونوا تصالحوا ...يمر بندول الوقت بطيئاً بسرعة صفر تقريباً ......

صرخ شيطانه و غادر من ثقب صغير في الجدران ....صاح و هو يغادر إن جحيمي أفضل كثيراً من جحيمك ....بقوا إثنين ...تمسك به ملاكه الحارس...بعد وقت ليس بكثير ....إستعد ملاكه للمغادرة ....تشبث بجناحيه حتى لا يتركه ...دفعه بعيداً ...صائحاً ...ليس لمثلك أبداً جحيم ....

كانت هذه أخر مرة يرى وجهه الذي غادر مودعاً معهم ...

وحيداً ...يلعب بمكعبات الصمت طوال الوقت ....بحث عن من يحدثه ...لم يجد سوى نفسه ...استغرقه وقت طويل حتى روض نفسه الجامحة التي كانت تركض بحرية بين ضلوعه ....أصبح يحدثها و تحدثه ...أصابهم الملل ..و نزلت ستارة الصمت الثقيل بينهما ...لم يعد يأبه ...لم يعد يعبأ .....كل ذلك و الظل الثقيل لا يزال قابعاً على الأرض يترقبه ....مطلاً عليه من نافذة روحه الضيقة....النافذة ذات القضبان القديمة ....

نظر على الأرض ....لم يجد الظل ...بحث عنه ....قبع في الركن منزوياً ...يضم رجليه إلى صدره و يحوطهم بسياج ذراعيه....يخاف إن تتمرد رجليه عليه و تعدوا به إلى الباب الحديدي الصديء الذي يتوسط الغرفة .....

بعد زمن طويل وصل إلى حدود الباب ...دفعه بحذر ..كان لا يزال خائفاً من الشبح الأسود صاحب الظل الثقيل على الأرض ....صرخ صرير الحديد ...ببطء ...و إندفع ليصب في أذنيه ...أول صوت منذ أمد بعيد ....

ضرب عينيه ضوء الشمس ....إغتصب اجفانه لينظر إلى الضوء ....تردد طويلاً ...خائفاً...مرتعداً ...هم بالتراجع ...تراجع بالفعل يرتعش ...ينكمش ...تكور على نفسه ....

حسم أمره و إلقي بنفسه خارجاً........

رأي طريق ملتوياً كالأفعي ...بين التلال ....مكسواً بالحصى الملون .....مشي فيه ....لا يوجد طريق غيره ...على جانبي الطريق شجيرات الشوك النابتة في وادي العدم ....لا يعرف متى بدأ السير ...و لا المسافة التي قطعها و لا حتي الزمن .......

ترائت له على مسافة بعيدة اشرعة سراب مدينة تبحر في بحر النسيان ...

وصل إلى أبواب المدينة ....الشمس تنتصف السماء ....رأي اناس يملأوا الطرقات ...اذانهم كبيرة ...استطالت حتي زحفت على الأرض ....لا يسمع صوت ....تعوي رياح الصمت في المدينة ....و يظهر صوت الضجيج داخله...تفحص الوجوه ...لم يجد أفواه ....رفع صوته يكلمهم ....ارتفعت موجات الفزع في أعينهم ...و ولوا الفرار ....أحس بالعيون ترقبه من وراء الجدران .....

هم أيضاً يتذكروا ...إنه في الزمن البعيد ....عند إكتمال القمر ...كانت تجتاحهم ظلال الأشباح السوداء ...لتخيط أفواههم .....بعد زمن نمت اذانهم حتى يسمعوا الصوت الأتي من وراء تلال الخوف التي تحيط مدينتهم ....يتذكروا إن من يفشل في سماع الصوت الأتي من وراء التلال ...كانت تزوره الظلال لتأخذه معها إلى وراء التلال .....اخذوا الكثيرين ...يسمعوا إن أرواحهم لا تزال هائمة...تجوب غابة الرعب خارج الأسوار .....

ظل صوت الضجيج يرتفع بداخله ....يصم أذان قلبه ....صرخ بقوة ليسمعوه...ارتعدوا من وراء أبوابهم المغلقة ....ظنوا إن الصوت جائهم ليسحبهم إلى ما وراء التلال .....

إنسحب إلى خارج الأسوار ....من نفس الطريق قفل عائداً ....هذه المرة شعر بطول الطريق ....مجهد....إنتهى به الطريق كما بدأ ...ترائت له من بعيد غرفته القديمة أعلى الجبل الصخري ....تسلق الصخور ...مخلفاً خيطاً رفيعاً من الدم ....وصل زاحفاً إلى الباب الحديدي ...خلع قميصه الملوث بالدماء و العرق ...و رماه على الأرض ...رمى نفسه وراؤه....إختفى صوت الضجيج بداخله ...لا يتذكر إن كان أغلق جفنيه أم لا قبل أن يغرق في النوم .....لم يكن هناك صوت إلا صوت صرير الباب الحديدي الصديء عندما تضربه الرياح ...أما ظل الشبح الأسود فلم يراه ثانياً .......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق