الحرية المفقودة


برغم إن الإنسان خلق من العدم و يسير حتماً إلي العدم ...إلا إن حياته بين عدمين جعلته يسعي إلي تخليد نفسه بكل الطرق الممكنة و الغير ممكنة في أحيان أخري ...




و منذ وجود الإنسان تشكل وعيه باختلافه ....فوجوده حدد وعيه و ليس العكس و بإمتلاكه عقل و وعي أخضع ما حوله في محاولة خلق اسطورته الذاتية علي الأرض ...



و إذا نظرنا للإنسان من حيث تركيبته الفريدة سنجده مليء بالتناقضات حتي إنه يمكن وصفه بأنه نصف شيطان و نصف ملاك أو إن صح التعبير مزيج من الأثنين معاً ....



فهو يستطيع إن يسمو إلي أقصي حد و يمكنه إن ينحدر إلي مرتبة أدني من الحيوان نفسه ....



و الجدير بالذكر إنه عاش فترة زمنية طويلة يعيش بسلوك بدائي من حيث التفكير حيث كان لا يشغله سوي التقاط الثمار ثم الصيد و التكاثر و لا يخيفه سوي الحيوانات المفترسة و فتكها به و بصغاره ....



مع الوقت تشكل وعيه البدائي ليصبح أكثر نضجاً و عملية و لأن الإنسان لا يخلق التاريخ و لكن يسير في اطاره لكننا لا نستطيع إن ننكر إن بداية التاريخ هي الرسومات التي رسمها علي جدران الكهوف فهذه اللحظة هي ما يمكن تسميتها ميلاد التاريخ الإنساني ....

أما تاريخ استقراره فهو تاريخ تدجينه للحيوانات البرية و انتقاله من سكن الكهوف إلي سكن البيوت ...لينعم بمزيد من الراحة في الحصول علي طعامه في مكان أمن ...



لكن هذه اللحظة كانت بداية تسرب حريته من بين يديه فهو قد أسر صغار الحيوانات لتربيتها و من السخرية بمكان إنه أيضاً أصبح أسيرها فهو يكدح طوال النهار من أجل إن يوفر لها الغذاء و يسهر طوال الليل ليحميها ....

و مع تشكل المجتمع فقد جزء أخر من حريته البرية و بولادة الدولة و نشاة الأعراف و التقاليد و القوانين التي بالقطع لم يشارك في وضعها بل تم وضعها من قبل رؤساء العشائر و القبائل نهاية بالملك الإله تم تدجينه هو الأخر في نفس الإطار ....





فالإنسان أسير النشأة الإجتماعية و الإطار الموضوع فيه ....و هو أسير مجتمعه ....عندما تم تدجين الإنسان بواسطة الشعائر و الطقوس القبلية فقد حريته تماماً و إن صح التعبير أصبح مثل حيوان بري مأسور في قفص ...إلا إن قفص الإنسان لا توجد فيه قضبان حديدية بل هي قضبان مخفية يسمونها النظام و سقف غير منظور يسمي القانون .....



و هذا التدجين يتم عن طريق التعليم أو إن شئت التعليم التدجيني الذي يخضع الإنسان للنظام و القانون الذي لم يصنعه أبداً ....و هذا قمة تزوير الوعي و بداية خلق القطيع



و لأحكام هذه السيطرة تم إضافة أسلحة أخري لضمان استسلامه و خدعه التام و هم سلاحي الترهيب و الترغيب و هم أسوأ سلاحين في التاريخ الإنساني و لا يزال يتم استخدامهم من قبل الجميع من قمة السلطة إلي أسفل و من الأسرة إلي أعلي السلطة ....



و لكن كل نظام إنساني يحمل بذور هدمه بداخله و لأن الإنسان كائن يحمل بذور التمرد بداخله و لا يظهرها سوي بمانع الخوف و الرهبة أو بدافع الحصول علي مغنم ما و فهو يعلم إن عند تمرده سيتم الإطاحة برأسه و عند خضوعه سيحصل علي شيء ما ....و بين هذا و ذاك هناك أقلية اطلقوا عليها صفة التمرد في العصر الغابرة و يتلقون عليها صفة القلة المندسة في العصر الحالي ترفض الخضوع و الإنسياق في القطيع و في نفس الوقت لا تخاف من الإطاحة برأسها و لا تطمح في الحصول علي أي مغنم .....



هذه الفئة هي أكبر خطر يهدد نسق القطيع الإنساني و إن تمكنت من حسم الصراع الدائر منذ أمد بعيد وحتي الأن قد يستعيد الإنسان بعض من حريته المسلوبة ....و ما لم يحسم القطيع أمره و ينحاز إلي هذه الفئة ستظل القطعان ترعي العشب بين يدي سيدها .....حتي تسير إلي العدم .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق