تغييب الوعي


لا شك إن عقل الإنسان هو أقوى و امضي سلاح امتلكه الإنسان منذ بدء الخليقة و سيظل كذلك حتي نهاية العالم ...


ففي البدء كان تصرفه غريزياً كباقي الكائنات ...إذا امطرت السماء كان يلجأ إلى كهف ليحميه من الأمطار و هجوم الحيوانات المفترسة و من الخوف و حب البقاء في وسط خطر إستطاع تطوير و بناء ميكانيزمات دفاعية عن طريق اختراعه للأسلحة البدائية للصيد و لأن الإنسان ليس بأسرع الكائنات و لا أقواها لكنه تبين إنه اشرسها على الإطلاق و إن كانت الحيوانات المفترسة لديها مخالب و أنياب و أظافر فأنه يمتلك عقلاً قادراً على الإبتكار و التفكير و التدمير و القتل في أن واحد ....



تجمع الإنسان مع بني جنسه لينشأ المجتمع و إن كان مجتمعاً بدائياً و عند ولادة المجتمع ولدت السياسة فلا أحد منهم يسبق الأخر فالمجتمع و السياسة ظاهرتان متلازمتان لأن عند نشوء المجتمع إنقسم إلى حاكمين و محكومين فيما يعرف بلتمايز السياسي للمجتمع .....



و لأن الإنسان جبل على الأمر و الطاعة فيما يعرف بجوهر السياسة عند الإنسان و من زاد الأمر عنده أصبح من الحاكمين و من زادت الطاعة عنده ظل من المحكومين ......



و لم يكن إختيار حاكم أو قائد القبيلة و العشيرة مبني على أساس أخلاقي لكن كان مبنياً على أساس القوة و القدرة على حماية القبيلة و بعد إن إستطاع توحيد القبائل و العشائر المتشابهة و التي تعيش في قطعة أرض واحدة ولدت الدولة و مفهوم الوطن الذي هو مفهوم إعتباري و عاطفي في المقام الأول ....



أي إن الإنسان مقابل الأمان و الإستقرار تنازل عن جزء من حريته للحاكم و الدولة و بما إن الدولة تمارس سلطتها من خلال إحتكار أدوات الإكراه المادي في المجتمع فأن الإنسان قد تنازل أيضاً عن سلاحه للدولة و إن كان من المسموح له بالإحتفاظ بسيف أو بخنجر فلم يكن مسموحاً له بإقتناء عجلات حربية مثل إليوم حيث إن هذه الأدوات مقصورة على الدولة و الدولة فقط ...



لكن السلاح الأقوى كان لابد إن يتم السيطرة عليه أيضاً لأنه أقوى الأسلحة ...



و بدلاً من شعار الله - الوطن - الملك الموجود إليوم

تم إستبدال الله بالملك و الوطن بالملك ليصبح الشعار الملك الملك الوطن و هذا الشعار يحمل دلالات كثيرة لأن إن كان الإنسان يطيع الله و يمتثل لأمره بدون معارضة فأنه قد يعارض أو حتي يتمرد على سلطة الملك و من هنا كان يجب دمج الله في الملك و العكس بلعكس و في أحسن الأحوال كان الملك إبن الإله لضمان خضوع الرعية التام و تصبح أي معارضة للسلطة هو إعتداء على المقدس ذاته و تصبح أوامر الملك هي نفسها أوامر الإله و هو ما حدث في مصر القديمة و بابل و فارس و المايا و الصين حتي إن هذا الوضع إستمر في اليابان حتي عام ١٩٤٥ و عندما سمع اليابانيون صوت الإمبراطور هيروهيتو إبن الشمس في المذياع خروا على الأرض ساجدين لقد كان إبن الإله الشمس أول مرة يتحدث اليهم .....



كان ميدان و ساحة الصراع منصبة على السيطرة على عقل الإنسان و عمل كل شيء لضمان تغييبه و ضمان خضوعه الدائم لسلطة الإستبداد و إخماد أي محاولة منه لإسترداد حريته مرة أخري ....

حتي عندما بزغ نور الأديان السماوية لتواجه نظرية الملك الإله و في الأية القرأنية يقول الله إلى موسي إذهب لفرعون فأنه طغي و يأتي المسيح ليهدم النظام الإستبدادي اليهودي ثم يأتي الرسول محمد ليهدم النسق الإنساني البالي و- لأن المؤمنين بالدين يرون إنه جاء لينشر السلام و العدالة و الحرية و يقول من لا يؤمن بالأديان انها حركات إصلاحية ثورية فالنتيجة واحدة هي تحرير الإنسان و هدم النسق القيمي و المفاهيم القديمة إلبالية و استبدالها بنسق قيمي و أخلاقي و تشريعي أكثر عدالة و مساواة .....



لكن بعد فترة ليست طويلة تحالفت السلطة مع رجال الدين لإخضاع الإنسان مرة أخري و لتجريده من سلاح الدين الذي منحه له الله لمقاومة الإستبداد و الإستغلال و لإسترداد حريته المادية و العقلية بل إن الله كان أكثر كرماً عندما منح الإنسان حرية الإيمان و حرية الكفر ....

و الجدير بالذكر إنه تم إستخدام الدين كسلاح في يد الدولة لإخضاع السيطرة على الإنسان .....



و ذلك لأن المجتمع الإنساني لم يستطع التخلص من غرائزه المدمرة فهو لا يزال تنافسياً ،طماعاً ،عنيفاً ،مسيطراً ،قاتلاً.....



الأغرب إن شعار الله الوطن الملك لا يزال موجوداً حتي الأن و إن كان الله الأن يحتل المكان الأعلي فأن الملك يساوي الوطن ...أي إن شخص واحد يساوي شعباً ووطناً بأكمله و الأنكي إنه لا يزال يدعي إنه يحكم بإسم الله ....



إن تغييب الوعي و العقل الإنساني هي أهم وسائل السيطرة في المجتمع الإنساني و هذا التغيب العقلي هو ما إدي بنا إلى ما نحن فيه إليوم



فهو ما إدي إلى إن ١٪ من سكان العالم يسيطرون على ٤٠٪ من ثروات العالم و إن نصف سكان الكوكب يعيشون على أقل من دولارين في إليوم و إن أكثر من أربعة ألاف طفل يموتون كل يوم من أمراض يمكن التطعيم منها و إلى سيطرة إقتصاد المضاربات على العالم .....



لذلك فأن استردادنا لحريتنا العقلية و القضاء على هذا التغييب هو السبيل الوحيد للقضاء على هذا النسق القيمي و الإقتصادي و الإجتماعي و إستبداله بأنساق أكثر عدالة و أكثر مساواة و أكثر حرية .......





http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=202701

هناك تعليقان (2):

  1. رائع كالعادة يا دكتور
    أنا سمحت لنفسى بالإشتراك فى المدونة
    رغم انى مش بأدخل مدونتى بقالى عمر
    يسلم قلمك .. وعقلك .. وتسلم لنا ولمحبيك

    ردحذف
  2. ربنا يخليكي يا استاذة ....كلماتك تسعدني جداً جداً ....تسلمي و يسلم قلمك الحر المصري الأصيل

    ردحذف